أرهقه الحنين الذي تسلل إلى قلبه، يتجه نحو درجه الخشبي الذي دس فيه ذكرياته و أغلى ما يملك، يخرج صورة والدته يمسح بيده الحزن الذي يكسو ملامحها، لازال يحن إلى حضنها الدافئ، إلى روحها المنثورة في زوايا المكان، لازال يبحث عن صوتها و رائحة الطعام المعبق بحنانها.
كانت نظرة الناس إليه على أنه رجل يافع، و كانت نظرته لنفسه على أنه طفل يحن إلى حضن والدته، إلى يدها التي تداعب شعره، و إلى روحها التي تملأ عليه وحدته.
كان حكم القدر أن ترحل والدته إلى عالمها الأبدي، و كان حكمه على نفسه أن يعايش هذا الوجع الإنساني إلى الأبد، ما هو الشئ الذي يمكن أن يملأ هذا الفراغ الرهيب، و من هو الشخص الذي يمكنه أن يملأ عالما من المشاعر و الأحاسيس.
المنزل أصبح شاحبا من دونها، كان الشعر يكسو ذقنه و كان الحزن يكسو قلبه و روحه، يجلس وحيدا يحاكي صدى صوتها الذي يسكن أذنيه، يدخل حاله إلى غرفته، إنه قضاء الله و قدره........ و الحزن لن يرجعها إلينا، ستواصل عجلة الحياة دورانها، و لن تتوقف، كان يعرف أن كلمات حاله هي القشة التي يعتقد الغريق أنها ستنقضه، ينهمر وابل من الدموع من عينيه، ، أسبوع مر و أنا لم أرتمي بين أحصانك، يكفي فهي لن تطمئن في قبرها و أنت على هذا الحال، يمسكه خاله من يديه، يجره إلى الحمام، يبدأ في إزالة علامات الحزن على وجه، لكن كيف ستزيل هذا الحزن الذي يسكن داخلي، هل تظن انك إذا حلقت ذقني ستعيد البسمة إلى ملامحي، هل تعرف أن هناك أشياء لا يمكن تعويضها، و أن هناك أحداث لا يمكن تجاوزها مهما حاولنا أن نكذب على أنفسنا، هل تعرف أن الإنسان يمكن ا يموت ألف مرة قبل أ يسكن قبره.
سنة من الألم، كان يزور قبرها يجلس أمامه، يشكو جروح الحياة و أحداثها، كان قبرها مستودع همومه و أسراره، هذه هي الحياة ببياضها و سوادها لابد أن تعيشها كما هي، فلسفتها التي زرعتها في عقلها منذ الصغر.