محمد الزهراوي أبونوفل
عدد الرسائل : 8 العمر : 80 تاريخ التسجيل : 20/10/2012
| موضوع: أنا الأندلس السبت أكتوبر 20, 2012 3:53 pm | |
| اسْتحالَتْ سَراباً. فَرّتْ مِنْ بَيْنِ أكُفِّنا.. فَرّتْ بِلا صَوْت. كأنْ لا أحدَ في البَحْرِ.. يرُدّها إليْنا. تُحـِسُّ كَأنّها الْمَلِكَة. تتَراءى مِن شُقوقِ البَعيدِ. اسْجُدوا
150
لَها خُشّعا.. كانَتْ سَحابةً هَطَلتْ. تتَراءى كوَرْدةِ عَبّادِ الشّمْس.. تتَراءى لي جِهاراً. أنا حَفِيٌّ بِالْمَشْهدِ بِالغَزالةِ البرّيَّةِ وَبِِغانِيَةِ الْمَعْبَدِ. تَعالوْا أدُلّكمْ عَلى حَجرٍ كريم. كَأني عَلـى مَشارِفها.. اَلبِئرُ فاضَتْ بِالشّهْوَةِ.كانَتْ
151
دِيارُها داري ؟ كمْ عاقَرْتُ نَهْدَيْها وَرُباها . كَشَفْتُ تَكْوينَها الشّامِلَ. وَعارَكْتُها في القَصيدةِ. مِنْها أعْتصِرُ الشِّعرَ وَذَهَبَ الأرْضِ وَأغْتَرِبُ مَعها في الوَحْشَةِ. تتَناثرُ بِالأبْيَضِ. وأنا الْمُحاصَرُ بِها في هذا الفَراغِ. تَحَسّسْتُ مِنها
152
ما يُؤْلِمُني وَرَأيْتُ ما يَخُصّني. دَمْعُها دِماءُ الْحُروبِ.وَعُواؤُها حُداءُ القَصَبِ. ووَجْهُها هوَ الصّباحُ يا هذا.. هُوَ رَغَباتُ القَلْب اَلْوَجْدُ بِها باقٍ. فَاغْفِرْ لي ياحُبُّ.. مَعَها تَوَجُّعي. طوْعاً تتَجَلّى أبْراجُها لي مِنَ الْقَصِيِّ. وَطوْعاً تَكْشُفُ
153
لي مَزْهُوةً كنَمِرَةٍ عُرْيَ كَشْحِها الْهَمَجِيِّ.. اَلْمُلَطّخِ بِالْفَجْرِ وَالْمَعْجونِ بِالْغامِضِ. عَيْناها ظِلالُ الحَوْرِ. لا تُضارَعُ.. تَرْميني سِهاماً تَجيءُ جَيْشاً وَلا أُقـاوِمُ.. وَأنامُ أَُتَمْتِمُها بِسُبْحَتي كالْمَجنونِ! إنّها تَعْتَريني.. يا ابْنَ زَيْدون ! لَمْ أُبارِحْ مَعَها
154
جَميلَ القَوْلِ.. وَلَمْ أُراوِحْ مُقامَها وَشُبّاكها وَلَمْ أغادِرْ أغانِيَها وعُطورَها في قُرْطبَةَ وَإشْبيلِيةَ عَلى الوادي الكَبيرِ وفي قُصورِ بَني الأحْمَرِ. هَلْ رَأيْتُمْ كيْفَ ارْتَمَتْ علَيّ في الْمَرايا وَنَفَرَتْ بِكِبْرِيائِها الْمَلَكيِّ عِنْدَ بُرْجِ الذّهَبِ ؟ أجْمَعُها لِلْقَلْبِ زُهوراً. وأنْقُشُها مَنارَةً بَحْرِيّةً
155
عَلى الْجِدارِ لِتَمْضي بِها السّفنُ أنا هُنا في الْحَيِّ هالِكٌ بِها حَيٌّ ! فَاتْرُكْها يا طاغِيَةُ تُغَنّي بِأشْواقِ الْفُصولِ ودَعْها يا نَهْر تَرْفُثُ ويا ليْلُ تَصِلُ.. هاهِيَ في الغَمْرِ.. تِلْكَ أَذْرُعُها تُحيلُني إلى فَجْرٍ. ها إقْبالُها الْمُهَرّبُ إلَيّ يَقْتَرِبُ مِنّي
156
في مَوْكِبِ خُيولٍ وَمِياهٍ ! أَتوقُ يا طَيْرَ البَحْرِ إلىألْحانِ نظْرَةٍ ! ؟ بِانْتظارِِها أقْهرُ الْمَنافي ! ؟ وإرْضـاءً لِنَزَواتي أنا قتَلْتُها في مَرافئِ هذا الكوْكَبِ عِشْقاً كَما يعْشَقُها الْماءُ وَالْغابَةُ وَالنّهر. تَقْتَرِبُ مِنّي حَيِيَةً ومُرْتَبِكة.. كَإغْرائِها الأوّل.ِ
157
بِمَرْآها يَخْضَرُّ القَلْب.. لَها مَلامِحي في الأمْكِنَةِ ! تَمْتَطي إليَّ قَلَقاً. هِيَ كَالْخَضِرِ.. بِاتّجاهي تَجيءُ تَعْبُر الأمْداءَ مَعَ السّحرَةِ مِنَ الحُجُبِ. تَخْرُجُ مِنْ ظُلُماتِ البِحارِ وَمَعَها اللُّؤْلُؤُ.. اَلْحورِياتُ عارِياتٍ وَجِرارُ نَشْوَتـي.! أنا الأنْدَلُسُ..
158
اَلعرَبِيُّ في أحْلامِهِ الدّرُّ كامِنٌ.. فَارْوِ عنّي وَعنْها الْقِصَّةَ مَعَ الحِبْرِ والْكُتُبِ. ولا تسْقني نَشْرَبْ عَلى أطْلالِها ياصاحبي هُوَ ذا مَنْفاها الأليفُ فِيَّ.. حَيْثُ تَئِنُّ مِنْ سَكَراتِ الْمَعارِفِ وَمِنْ لَذّةِ الْوَجَعِ. أنْفُخُ فيها مِنْ روحي !.. اَلْكُلُّ يتَعَلّقُ
159
بِذَيْلِها الْعَطِرِ وَهُمْ سُكارى مِنَ الطّرَبِ. تَكْمُنُ.. تَحْتَ كُلِّ حَجَرٍ. قَدْ تنْقَرِضُ الْمَمالِكُ.تَنْقَرِضُ الأمْبراطورياتُ وَلَمْ تنْقَرِضِ الذِّكْرياتُ وَهذه الأسْطورَةُ. مِنَ الْجُروفِ الْبَعيدَةِ تَجيءُ تَرْقُصُ في الْمَدَائِنِ. تُشْبِهُ طيْراً.. وَمِنْ بَدْءِ الدُّهورِ
160
ياتيها الشُّعَراءُ.. وَلَمْ تنْقَرِضِ ! ؟ أنا هُنا علَّها قَدْ تَصِلُ مِنْ تُخومِ الرّيحِ ! ؟ هِيَ الأُنْثى.. تَألّهَتْ في الزّمَنِ. وَتِلْكَ شُموسُها الْمُبْحِرَةُ تَمْخُرُ الْوَهَجَ.. تُحيلُني إلى فَجْر. تَخْضَرُّ الآنَ.. تَنْداحُ الكِتابَةُ. كَأنّني الآنَ عَلى مَشارِفِها !
161
يالَها مِـنْ أقْواسٍ مُشْرِقَةٍ تُذّكِّرُني بالجَنّةِ. بَدَأتْ مِثْلَ حُلُمٍ وَانْتَهتْ بِلا صَوْت.. طارَتْ في الْغَوْرِ ولَم تَصِلِ. | |
|